أسبوع فصل بين لقائين لك مع أحد أصدقائك، لتكتشف في اللقاء الثاني أن اجزاء من شعره قد تلونت باللون الأبيض.
لم يتعدى عمر صديقك الثلاثين، ولا توجد لدى عائلته تاريخ وراثي مع الشعر الأبيض، حتى صار السؤال الذي يسيطر على تفكيرك: ما الذي حدث خلال الأسبوع؟
دراسة قادها د. ياتشيه هسو، من قسم الخلايا الجذعية والبيولوجيا التجددية بجامعة هارفارد، أجابت على هذا السؤال الذي لم يحيرك وحدك، لكنه حير العلماء من قبل عندما تم القبض على ملكة فرنسا ماري أنطوانيت خلال الثورة الفرنسية ، فوجدوا أن شعرها تحول إلى اللون الأبيض بين عشية وضحاها، وفي التاريخ الأكثر حداثة ، حدث نفس الأمر مع السيناتور الأمريكي الراحل جون ماكين الي تعرض لاصابات خطيرة كسجين حرب خلال حرب فيتنام.
وخلال الدراسة التي نشرت هذا الاسبوع في دورية “نيتشر” توصل الفريق البحثي الذي قاده د. هسو، إلى أن الإجهاد المصاحب للتوتر والضغط عند مواجهة المواقف الصعبة، ينشط الأعصاب التي تشكل جزءًا من استجابة الشخص سواء بالفرار أو المواجهة ، والتي بدورها تتسبب في ضرر دائم للخلايا الجذعية التي تعمل على تجديد خلايا الصباغ في بصيلات الشعر.
وحتى يصل الفريق البحثي لهذه النتيجة، استبعدوا أولا كل الاحتمالات، ومنها احتمالية وجود علاقة بين تحول لون الشعر إلى الأبيض وارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول في الجسم، فمن المعروف أن الإجهاد يرفع دائما مستويات الهرمون، لذلك اعتقد الفريق البحثي أنه قد يلعب دورا، ولكنهم عندما أزلوا الغدة الكظرية من فئران التجارب حتى لا يتمكنوا من إنتاج هرمونات شبيهة بالكورتيزول ، فإن شعرهم كان لا يزال يتحول إلى اللون الأبيض تحت الضغط.

بعد اختبار الاحتمالات المختلفة ، اتجه الباحثون إلى نظام الأعصاب الودي ، المسؤول عن استجابة الجسم للمواجهة أو الفرار في المواقف الصعبة.
وتتفرع الأعصاب الودية إلى كل بصيلة من بصيلات شعر الجلد، ووجد الباحثون أن الإجهاد يؤدي إلى إطلاق هذه الأعصاب لـ “النورادرينالين” الكيميائي ، والذي يتم تناوله بواسطة الخلايا الجذعية القريبة لتجديد صباغ الشعر.
في بصيلات الشعر، تعمل بعض الخلايا الجذعية كمستودع للخلايا المنتجة للصباغ، وعندما يتجدد الشعر، تتحول بعض الخلايا الجذعية إلى خلايا منتجة للصباغ تلون الشعر.
وجد الباحثون أن بافراز من الأعصاب الودية لـ “النورادرينالين” بكثافة، يؤدي ذلك إلى تنشيط الخلايا الجذعية بشكل مفرط، وتتحول جميع الخلايا الجذعية إلى خلايا منتجة للصباغ ، وتستنفد خزينها قبل الأوان.
ويقول د. ياتشيه هسو في تقريره نشره موقع جامعة هارفارد بالتزامن مع نشر الدراسة “عندما بدأنا الدراسة، توقعت أن يكون الإجهاد سيئًا للجسم ، لكن التأثير الضار للإجهاد الذي اكتشفناه كان يتجاوز ما تصورت، فبعد بضعة أيام فقط ، ضاعت جميع الخلايا الجذعية التي تعمل على تجديد الصباغ، وبمجرد أن تختفي يكون الضرر دائم”.